بنت الجيران

Thursday, October 26, 2006


بنت الجيران

دخل عام 1998 وكان هذا الشاب في ريعان شبابه يستطيع فهم ما يدور حوله ما يقوله الناس , متوسط الحال والفكر ، معنيا بدراسته ، مميزا فيها ، يحب أهله وعائلته وهم كذلك يحبونه .
إلا انه من بين الحين والأخر كانت له بعض اللفتات والانتقادات التي تتسبب في نفور بعض الناس منه إلا انه كان قريب الثقة بنفسه فكان تذمر هؤلاء الناس لا يسبب له الكثير من الألم .
كان هذا الشاب جيد الكلام وجيد الاستماع أيضا مفعم بالنشاط والحركة مثل من هم في سنه ، لا يهاب أن يكلم أي من الناس وذلك بسبب تربية أبيه له على هذه الثقة والجرأة المطعمة بالأدب لان أباه كان رجلا حكيما يعرف كيف يتعامل مع الرجال فنشا ولده كذلك .
يحس هذا الشاب دائما بالمسؤولية يحمل الهم يفكر كثيراً إلا أن أفكاره إذا خرجت من رأسه كانت تخرج بشكل عشوائي أو غير مبنى على اصل في كلامه تستطيع القول بأنها غير مرتبة البنية بسبب عدم وجود الراسخ العلمي وكان هذا ما يسبب له الكثير من المشاحنات الفكرية بينه هو ومن كانوا اكبر منه سنا إلا أن بعض ممن أحبوه قد فهموا قصده ومراده .

يميل هذا الشاب كعادة من مثله إلى التحدث مع الفتيات وقد كان يجيد هذا غير انه في نطاق عائلته لا يخرج عنه وهو كان مكتفياً بهم لا يريد معرفة المزيد ويكانه راضيا بهم تمام الرضا ، وكلما عرض عليه أحد أصدقائه للتعرف على فتاة جديدة رفض هذا بشدة معلنا انه لا يريد هذا الأمر وهو كذلك فعلا ألا انه أيضا يهابه ويخشاه ، واثر ذلك الخوف أسرته التي تربى فيها فهي أسرة بسيطة متدينة حاملة للدين و القرآن وهذا لا يصح عنده وان كانوا لا يقولونه صراحة ولكنه كان معنا ضمنياً لأوج
الالتزام
.
كان كلما اشتاق هذا الشاب لرؤية أي الفتيات ذهب إلى عائلته حيث يقطنون هم وجلس معهم ليجد انسه وسلوانه ولكم كانت هذه الفترة هي من اجمل ما كان في حياته من دلال وصفاء وهناء العيش ورغد المشاعر والأحاسيس .

تخرج هذا الشاب من دراسته الثانوية ليلتحق أخيرا بالجامعة وكان يسمع عنها الكثير والكثير حيث الحرية والانطلاق والتحرر من القيود وكأنها عالم أخر صغير مختلف الألوان والطبقات والأنظمة وكأن كل كلية فيها هي بمثابة الدولة الصغيرة التي اهتمت بأحد الأمور في الدنيا ليكمل العمل بها مع من بقى من كليات ويخرج عالم منظم الأفعال والأقوال .
كأن هذه الجامعة هي الوطن الذي يحبى الأطفال إليه لينهلوا من عبيره هو عين الحقيقة لهم ، مبهراً إياهم بمظاهر التقدم والعلو معلناً عن نفسه وكذلك فيه من الترف و الغرور والتملق ما لا يخفى عن مريديه.

وجد هذا الشاب( في كليته وكانت من أهم الكليات في هذه الجامعة) ،بأن نفسه تعلوا يرتفع ذكاؤه وكأنه بدخوله إياها قد اثبت لنفسه انه يقدر على عظام الأمور .
يروق له الذهاب إليها يشم عبيرها بل اصبح ملهما بها ارضًً و سماءً أصبحت له الوطن وصار لها ولداً فأحبها واظب عليها واجتهد فيها ليعلو بأرضها وسمائها فما كان منها إلا أن قدرته فنجح فيها وما كان منه إلا أن اقبل على عامه الأخر بكل الجد والنشاط .

في هذه الفترة كان قد انعزل هذا الشاب عن عائلته و أهله ، بل عن كل ما كان يفعله قبل دخول هذه الجامعة ، مجالسته لأهل بيته ، ملازمته لأبيه ، زيارته لعائلته بل أيضا عما كان يمارسه من الرياضات الكثيرة ، وكانت هذه الأشياء من قبل هي اجمل ما في حياته وكأنه بها غير ما كان في الماضي من حب لها فكان يعاتب نفسه في هذا وكان من حوله يعاتبونه أيضا فيه .

دخل الشاب عامه الدراسي الثاني ولكن كان قد اصبح اعم نظرة و أعلى حنكة من العام السابق وكان قد آمن وقتها أن الأشياء قد لا تكون كما يرى هو بل يوجد هناك اكثر من وجهة نظر بل قد لا يكون مثل ما يقول أحد البشر و لانه دائما ما كان ينتقد في حياته يبحث عن ألا فضل دائما قد الف هذا واحبه .

اصبح ينقد كل شيء يراه وخاصة ما اتفق الناس عليه والتفت حوله الأنظار وهذا كان محط نقد الشاب ومكان تساؤلاته وكأنه بذلك يريد أن يضع قوانين وقواعد لهذه الفترة الجديدة من حياته وبان حياته قبلها لا تصلح لهذه الفترة بل يجب عليه التحري واخذ كل ما يراه في عين الاعتبار.
ولكن ما حدث حيينها أن انعزل الشاب انعزالا كاملا( عن أسرته وعائلته وعن من كانوا رجاؤه في هذه الدنيا ) بل استطاع هذا الشاب أن ينعزل عن نفسه فيما كان منها سابقا .

اقبل على الدنيا ينقدها بأسرها يبحث له فيها عما يجيب على تساؤلاته فلا يجده إلا بعد تعب مضني فإذا وجده تشبث به تشبث ألام بوحيدها ثم بدء بحثه من جديد عن الأخر وهكذا تمر أيامه يبنى قواعد لنفسه يسند إليها الأحداث والأفعال التي يقوم بها والتي هي تمر حوله فصار بهذا ينقد نفسه اكثر ممن حوله .

بدا يتحدث في الأمور بشكل مختلف فاقترب منه بعض الناس وابتعد عنه آخرون وهو لم يكره هذا بل قبل الوضع الجديد بآسره ورمته .

اصبح يرى الجامعة بغير الصورة التي كان يراها بها من قبل رأى مفاسدها وعلم أنها ليست الوطن الذي يبحث عنه بل هو الشيطان متمثلا في أرضه ليغويه ويوقعه في بئر الآسي وطاحونة الزمن فصار مضطرب الأفكار يجرى هنا وهناك يبحث له عن وطن يسقيه من عبيره يروى له عطشه ولكن وا أسفاه فلم يجد له وطناً يريحه فاتجه بقوة إلى العمل وملامسة الواقع بيده وكسر الحواجز التي قد بناها له هذا المجتمع ليعرف نفسه في هذا ويجربها على الحقيقة ، وقد عرفها حقاً .

استطاع هذا الشاب في عمله التحدث مع جميع الناس سواء كانوا رجالا أو نساءً أو أطفالا وكذلك الفتيات تعامل معهن بشكل واقعي جداً فذهبت عنه تلك الفجوة التي كان قد احسها تجاه الغريب منهن ، ولكنه كان يرى فيهن صورة هي لم تكن موجودة على الحقيقة وهو لا يعلم ما هي ، إلا انه كان يريد معرفة الكثير عن هذا الذي يمتلك نصف البشر في الإنجاز ، وفى استمرار الخلق لكن الأمر كان ما يلبث أن ينقضي حسب الموقف ولا يأتي هذا الفكر مرة أخرى إلا بمجيء أميرة أخرى تبعث هذا الشعور في صدر هذا الشاب .

ظل هو هكذا إلى أن اخترق هذا الحاجز وذلك بمعرفة الكثير منهم بسبب عمله وتحدثه إلى الكثير منهن وفهم الكثير عنهن فزالت عنه هذه الصورة الخاطئة التي كان يظنها ولكن ما زالت هناك بعض الأمور التي لازال هذا الشاب لا يراها وذلك انه كلما تكشف له أمر اصبح اشد شوقا لمعرفة المزيد .

كانت لهذا الشاب فلسفة خاصة في هذا لا يفهمها الكثير من الناس كان هو لا يريد الحب أو عشق أحد الفتيات لكنه كان يحب الحب و لا يسعى إليه بل يرفضه إذا عرض عليه أحيانا من بعض الفتيات التي عرفها وذلك لعلمه أن الحب هو اصدق الأحاسيس في الكون ولذلك فثمنه غالى لا يقدر هو عليه فكان يحترمه فقط لكن لا يقربه لعلمه أنه لا يلائم شخصه وعقله .

خرج هذا الشاب يوما من شرفته لينظر إلى السماء الصافية كعادته فإذا هو ببنت جميلة يراها أمامه ليست هي اجمل الفتيات التي عرفها ، رآها بسيطة هي في جمالها إلا أنها تحمل برأسها أعين متحررة ومحيرة تبعث الفضول إلى كل من يراها ولكن عندما هي لاحظت نظره الشديد إليها هربت إلى مخدعها كي لا يراها ، وتمر الأيام ولكن لا ينسى هذا الشاب
نظرة تلك الفتاة .


فإذا به يراها مرة أخري ويجد بها نفس النظرة التي رآها بها من قبل وكان قد مر عام تقريبا على أول مرة رآها فيها هو لا يفهم هذه النظرة وهذا ما يثير فضوله ثم يتساءل :
من هذه الفتاة؟ وكيف لم يراها من قبل؟ مع علمه بأنها أحد جيرانه منذ اكثر من خمسة عشر عاما كيف لم يراها من قبل .

عند هذه المرة شغلت هذه الفتاة جزءا من عقل هذا الشاب ولذلك أصر هو أن يعرفها ويكلمها ولكن كيف يحدث هذا وهو لم يفعله على الإطلاق أن يكلم فتاة من تلقاء نفسه ولان عمره أيضا اصبح اكبر من أن يفعل مثل هذا ولكنه احب شعور النضال الذي يوصله إليها .
وقف الشاب ذات يوم في شرفته ينظر إلى السماء ويشعل سيجارته التي يحبها وتحبه فإذا هو بتلك الفتاة مرة أخرى أمامه فاقبل لكلام عليه من داخله لم يستطع حيينها إيقافه وعندها ظن أنها لن تعيره ألا نظرة ثم تتركه حائرا ،ً وتهرب إلى مخدعها كعادتها إلا أنها خيبت آماله في هذا و أجابت بكلمات بسيطة ورقيقة فطلب منها أن تظل واقفةً حيث يراها هو لينظر إلى عينيها ,

وكانت أول مرة في حياة هذا الشاب ينظر إلى فتاة هذه النظرة لكنه كان شديد السعادة بها وكان كل ما يؤرقه في هذا ليس إلا أن يخرج أحد أهلها أو أحد أهله هو فيكشف ما تستره تلك الأعين في ظل هذه السماء .

علم حيينها انه شعور مختلف وهو لم يتحقق صدقه أو كذبه إلا انه لإيمانه الشديد بالتجديد والتحرر فقد احبه بدون خوف .

ظل الأمر متواصلا يراها كل يوم بعد عودته من العمل حتى طلب منها ذات مرة أن يراها خارج هذه الأسوار وكانت هي مدللة في كلامها صبية تخرج كلماتها ثقيلة لتخبره عن إنها لا تعلم لماذا هو يريد أن يراها؟ وهذا الدلال هو لم يعهده من قبل يراه متميزا ، أصر في طلبه فوافقته .

كان يوم اللقاء شديد الحرارة لم تكن الظروف ملائمة لما أراده هو ولولا انه يعلم أن الإنسان محاط بظروفه وعليه أن يخلق لنفسه الظروف الذي يريدها لتشاءم من هذا وتذمر.
اخذ الشاب هذه الفراشة الملونة ليراها من قرب بين يديه يرفع الأسوار التي كانت بينهما يكشف عن سر هذا الجمال الذي رآه ولا يعلمه .

جلس الشاب والفتاه في مكان هادئ واجمل ما فيه انه كأنما اعد لمثل هذا ، اخذ ينظر إليها في صمت يرى فيها ما لم يراه من قبل ليس الجمال الذي ليس له مثيل و إنما هو شعور يجرى داخله وكأنه شغف لا يستطيع إيقافه .

رأى في عينها بحر مظلم تموج فيه السفن يضيع الركب فيه وتغرق القوافل ، فقدت فيه الأساطيل عمرها ، والكحل بين جفنيها كأنه شاطئ هذا البحر المظلم ولذلك لا يصل إلى شاطئ البحر إلا هذا الموج عند البكاء .

رأى في كلامها عندما تتكلم دفئاً حاصره أشعل في قلبه الكثير من المشاعر التي لم يستطع من خلالها الوصول إلى أي النتائج إلا انه كان يتعجب منها شديد العجب من هذه التي اختزلت كل الكلمات في ألفاظ قليلة ترددها هي تجيب بها وتسال بها وكأنها لا تعلم غيرها وكأنها قليلة الكلام كثيرة النظر فكانت بالكاد تتكلم وكان هو بالكاد يسمع صوتها الضعيف الذي يخرج منها على استحياء يزيدها دلالاً وجمالاً .

كان يرى في وجهها اكثر الأشياء وضوحاً في الدنيا مزاج الواقعية والخيال الذي يحبه كان يمثل له وجهها الصفاء الجديد غير الذي يراه خارجها وكأنها طفلة في ثوب فتاة بالغة .

يملك هذا الشاب الكثير من الكلمات ليقولها إلا انه إذا جلس معها كان يصمت اكثر مما يتكلم وكذلك هي , إلا انه في إحدى تلك لحظات جابه هذا الصمت ليسألها عن بعض الأمور في الحياة لكنها لم تجب أي الإجابات منطقية وكأنها تهرب من شئ لا تريد الكلام كثيراً حتى لا تصل أليها فعلم الشاب عندها انه لن يصل إلي هذا إلا بعد مرات أخرى من لقاؤه بها أو أنها حقاً ليست لديها هذه الإجابات وهذا ما يخافه هو .

يميل هذا الشاب إلي الواقعية إلا انه في هذا الأمر لا يعلم كيف تكون الواقعية هل هكذا يمر عمر الإنسان ليرى فيه ما يثير دهشته وإعجابه دون أن يعلم أي الطرق يسلك ، أم هي لحظة القسم العتيق الذي هرب منه طويلا وهل هي ما طال انتظاره لها لتملا عليه واقعة وخياله .
لكنه أيقن أخيرا أن هذا الأمر هو لن يحدده ولا يستطيع ذلك إلا باقتحام هذه القلعة المحصنة ليعلم ما ورائها عندها فقط يعلم هو ما يجب عليه فعله .

لكنها جميلة في كل حال صمتها ووقعها وقدرتها , في المها وابتسامتها في آساها وفى فرحها لها بريق عين هو كالسحاب الصافي الذي لا تشوبه الشوائب إلا أن السحاب إذا دمع تغيرت معالم الكون إما هي إذا دمعت تغيرت معالم القلوب والمشاعر .

وكان لسان حال الشاب يقول( ليت الأمر ما يلبث أن يتكشف حتى تستقر الأمور وتهدا النفوس).

اخذ الشاب يفكر كثيراً بالأمر ثم طلب منها أن يلقاها مرة أخري يريد نبش قلبها وعقلها فقبلت ذلك وقابلته بعدها .

كانت هذه المرة هي اجمل مما قبلها رأى عينها تحمل أمرا قويا صارما غير الضعف الذي اعتادته عينها فامسك بيدها لتجلس بقربه في مكان هو اجمل مما قبله و كأنه اُعد لمثل هذا أيضا , أدرك الشاب حيينها أن المكان لا يحدد شكل اللقاء بل إن الحالة هي التي تحدد كل شيء .

جلست أمامه مثل فراشةََ جميلة ابتلت أجنحتها خجلا وتوارت ألوانها دلالاً ,
أحس الشاب أن فتاته تحمل أمرا في صدرها تخفيه , عندئذ سألها عنه بلهفة فظل صمتها طويلا بعد سؤاله كما هي عادتها دائماً وهذا ما يحيره أيضا .
رفعت بصرها بقوة وكأنها أعلنت الحرب والتمرد حيينها خرجت منها نظرة تحدى هو لا يعلم من تتحدى ؟ ومن تريد أن تحارب ؟ وعلى من تتمرد ؟ دارت كل الأسئلة في ذهنه الشارد بعيدا عن المكان المحيط حتى يصرخ عقله أحيانا من كثرة الأسئلة .

عنده قطعت هي كل هذا لتنطق بقلبها وعقلها وعينها وجميع ما فيها وتخبره أنها تحبه فأطلقت روحها وقلبها من غير قيود .
عندها علم من تحارب هي وعلى من تتمرد أيقن أنها تحدت نفسها وعقلها حتى يرضى قلبها.
عندما خرجت هذه الكلمة حملت معها اعترافا ضمنيا بالسعادة ورضا بالواقع وهذا ما يسعى الإنسان دائماً إليه في حياته وقد يضيع عمر الإنسان ولا يصل إليه .....
اخذ الشاب هذا الاعتراف محترما إياه فاخذ يخوض العباب ويسال لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ , سمع منها كلامها المبعثر المترامي الأطراف ضم شتاتها اثقل نفسها وقلبها ليرضيها ويرضى هو عن نفسه بحبها .

مرت الأيام علي هذا الحب الذي ما لبث ارتفعت نسبه في الحياة وكأن الحب اصبح خطاب اللغات الذي اجتمع البشر عليه في هذا الزمان وفي كل مكان.

اصبح هذا الشاب ينتظر منها الجديد ويمل القديم اسمعها هو الكثير من الكلام يستمع منها الكثير عرضت عليه ذات مره أن يقابل أختها الكبرى فوافقها الرأي وكأنه يريد معرفة المزيد عما أحبته فطلب منها أن تضع له ميعاد ليقابل أختها.

كان يوم معتدلا مع العلم بان هذه الأيام كانت شديدة الحرارة , اهتم الشاب بملبسة وشكله العام اكثر من الطبيعي وهو كان لا يفكر في هذا كثيرا إلا انه اهتم به .

ذهب حيث تجلس الأختان في مكان هادئ فسلم وجلس , تعرف عليها وكانت تدعي ( أمل ) اخذ الشاب و أمل يتكلمون كثيرا وكانت تتكلم جيدا تعرف للحديث منطقا وكأنها تعلمت علم الكلام تأثر الشاب بها وهي كانت تكبره ومتزوجه ولها أطفال إلا أن بها أمرا من الصغر لا يعرفه هو ولكنها كانت جميلة ولطيفه
متحررة هي في حركاتها وأفكارها تحمل ذكاء في عينها .


احب الشاب جلوسه إلى (أمل) أراد أن يعلم هذا المنطق الذي لم يراه من قبل وكأنه علم بعد طول غياب أن للمرأة منطقا كما هو للرجل وهو لم يجده في أختها التي أحبته
وقد حاول كثيراً أن يخرج منها ما يملاء عقله ويشبعه إلا انه لم يستطع , و كأن التي أحبته طفلة تلعب منبهرة بشكل الحب لا معناه أغلقت قلبها وعقلها عما سواه.

تكرر جلوس الشاب مع (أمل) شعر بها وشعرت هي به أيضا نظر إلى عقلها وكذلك هي فعلت , كانت تملك من العقل والحكمة ما يكفى هذا الشاب الطامح الذي يراه اكثر الناس غير واقعي في أحلامه التي يرددها وكأنه بذلك الأمر يجمع بين أمرين فيهما تكون الحياة .

كانت (أمل) تهتم بما يهتم هو به وكان يرفض هو ما كانت ترفضه , كان يسرد أفكاره فتقبلها وكانت تعلق عليها وكأنها ناظرة إلي نفسه وجد منها ما لم يجده في غيرها تقول هي ما لم يقوله من قبلها فإذا نطقت أفصحت فخرج كلامها قويا إلى سمعه .
يسمع هو بأذنه يفكر في الأمر بعقله ينظر إليها بقلبه فاحسها مرنة تقبل الأقوال والأفكار فأعجبه ذكائها .

اخذ أمر (أمل) من عقل هذا الشاب وقلبه موضعا حسنا سال نفسه كيف وجدها ؟ أين كانت كل هذا العمر ؟ .

والعجب في الأمر انه حينما اقترب هو اقتربت هي أيضا خاطبته بلغته خاطبها هو بكل اللغات فعرفتها ، وجد فيها المرأة العصرية الرقيقة التي تعقل قبل أن تفعل فإذا فعلت ما عقلت أحكمت فعلها عندها أحس انه وجدها.

كان حيينها قد اعتبرها (صديقة) له أو (أخت) سعد بها سعادة شديدة وهى كذلك وكان اجمل ما في الأمر انه كان إذا سمعها سمعته إذا أسرها أسرته بل كان إذا نظر إليها رأت ما في عينه من عمر طويل عاشه هو , فهذا الشاب كان يحمل عمراً فوق عمره وذلك بسبب ما تربى عليه وهذا كان قوله أما قولها هي في هذا الأمر( أنت وُلدتَ هكذا لم تفعل الأيام بك شيئاً).

كانت تقدره تقديراً شديداً , كانت تحمل قولها إليه هدية محملة بالورود واجمل العطور , وكان هو كذلك يفعل ولكن ليس اجمل مما كانت تقوله هي , كان يريد دائماً أن يقدم إليها يده بما تطلبه هي تعبيراً منه عن عظيم امتنانه وشدة شكره لها , ولكن كلما أراد هذا أثارت هي حفيظته وإعجابه بتقديرها الشديد لكلامه وهو كان لا يراه يمثل جزأً مما تفعله هي معه.

كانت الأحداث تدور بين الشاب و(أمل) بشيء من الروعة والجمال بل تستطيع القول بان الأمر بينهما كان هو الجمال والروعة التي يقيس الناس بها , وجدها هو حقا أمله في هذه الدنيا.

علم الشاب أن الأقدار لم تبعث إليه هذه الهدية عبثا و إنما كانت تبعثه إليها وتجره وكأنها حقا أثارت أمله وأحلامه .
أمل الحياة و أمل الحب الذي عاش ينتظره , أمل العقل ، بل كل ما كان يحلم به وجده فيها تستطيع القول بأنها لا ينقصها شئ.
فكر الشاب كثيراً في أمرها كان يفكر فيها اكثر مما يراها ويسمع صوتها , كان إذا سمع صوتها شعر به و كأنه نغم يسرى في أذنه ليمتدد إلى سائر جسده وكأنه قد نُقل إلى عالم آخر غير هذا الذي يحوى البشر , ورغم ما حولها من الغموض إلا انه علم انه سوف يجتازه.

كانت إذا تكلمت عنه عن(عقله , علمه , قلبه) كان يراها هو فيما تقوله كان لا يعجب من قولها فقد وضعها في أرقى ما يكون الإنسان من منزلة وكأنه قال لها (افعلي ما شئت وقولي ما شئت فقد بلغت الذروة وصعدت الجبل و وضعت السيف) .

اصبح دم هذا الشاب يسيل على الأرض أحس بخروج روحه منه تطوف حوله لترتفع فوق رأسه تحمل معها اجمل اللحظات أروع الكلمات , افضل ما قيل عن المرأة والحب لتهرب الروح منه وتذهب إليها لتعلمها بأنها قد أسرت نفسه , وضعت حوله السياج الذي طالما أراده ولم يلحقه , أسدلت عليه عباءة الحنان التي أثقلت عمره وجعلت له ثمناً , رفعت عنه غشاوة بصره الذي ما كان يرى قبلها , أنارت له ما حوله ليراها واضحةً جلية تتراءى له كما تتراءى النجوم لأهل الأرض , استطاعت أن ترتفع به ليصل إليها وهى اجمل ما رأي على الإطلاق.

صار الشاب لا يعلم ما يقول , لأنه إذا قال أسرته هي ، أحس بأنها وضعت حوله سياجا من الذهب الذي لا يوضع إلا للملوك , أراد بهذا التشريف أن يحملها ليضعها في لؤلؤة مجوفة لتصبح أميرة هذا الكون ولا يعلم مكانها إلا هو لا يخرج عنها ويفارقها أبدا إلا أن يذهب ويأتيها بأروع ما قيل وما لم يخرج من الصدور وذلك ليضعه بين شفتيه ليخرج منه إليها متتابعا تحمله نظراته فيسعد به قلبها وعقلها فتُلقى بنفسها في أحضانه ليرفع عنها غشاوة العمر الذي عاشته بدونه.

أمسى الشاب واصبح لا يرى سواها وكأنه صار يعيش لها , يحلم بها وهى أمامه , كان إذا تكلم وسكتت هي ارتعدت فرائسه خوفا من بعدها عنه بصوتها كأنه لا يأمن أن يكلمها إلا إذا كانت أمام عينه حتى يتيقن من وجودها في هذا الكون وأنها ليست حلما يعيشه بل هو واقع أمامه يسمع صوته يرى وقعه يؤمن به اكثر من أي شيء آخر يراه هو أمامه.

العجب أن هذا الشاب يريد دائما أن يعلم كيف تصير الأمور؟ والى أي الأبعاد تصل إليه؟ إلا انه في هذا الأمر كان لا يعلم إلى أين يريد أن يذهب؟ بل كان لا يعلم كيف يصل إلى مراده؟ , اختصاراً للقول كان لا يريد شيئاً إلا أن تظل بجواره لا يريد القوانين ولا الحدود, ومع كل هذا كان دائماً عقله يقظاً شديد التأهب حتى لا يصيبها, آذى كأنه صار قانعا بها لا يريد غيرها تكيفت روحه مع روحها والتقت حيث لا فراق.

تكلم الشاب بصوتها سمع قلبها رأت هي عينيه بما لم يراها أحد من قبل , نظرت إلى عقله , رأت فيه قوةً , رأى هو فيها
أساس القوى التي في الأرض ومنبعها .
كانت مثل اليمامة التي تواجه العواصف لتبلغ مأمنها وتسكن حيث الربيع و كان لا يرى مكانا اشد أمانا و أعلى منزلة وارفع سمة من قلبه لتسكن هي فيه فيكون لها قصراً ...
فصار بكل هذا يحبها حقاً احبها بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني.

الحب هو المعنى الذي ظل يبحث عنه طيلة حياته لطالما كتب عنه وتخيله و ذهب يسرد الأقوال و الأفعال حتى يصل إلى معانيه يريد الوصول إلى القمة كما هي عادته دائماً , ليرتفع عن البشر يحلق بحبها في الهواء مرسلا صيحة الحب لتملاء الدنيا رعداً يصم الآذان , يصل بهذا إلى السحاب فيسيل دمه عليه فتمطر الدنيا دماً خارجاً من قلبه الذي يهوى ويحب , فيكون هذا المطر سُماً قاتلاً لكل الكراهية والبغضاء والألم الذي ارق محبو بته يوما أو أتعبها ليلة كانت هي بعيدةً فيها عن عينيه , يهبط هذا المطر على الأرض فيملئها حبا مخلوطاً بدمه ليخبر العالم أن صاحب هذا الدم وجد الحب ولسوف يظل يحب ما عاش وما مات وليبقى دمه سائراً في الأرض يتخذ منها مجرى لروحه التي احتلت العالم فيظل هكذا حتى ينتهي الدهر.

بات الأمر يخرج عن كيانه ليظهر عليه ويبدو واضحا لمن يراه, ظاهرا في كلماته, مستشعرا في نبراته , تستطيع القول بأنه اصبح ملهما حساسا مرهف المشاعر انتقل حاله من حالا إلى حالا , هو لم يفقد توازنه ولم يفقد سيطرته علي من حوله لكنه صار ارقي مما مضي مرتفعا بمشاعره , شامخا بها , زاده الحب قوةً وإصرارا وعجبا , وكأن الدنيا لا تسع قلب محبو بته التي أدخلته فيه فصار اكبر من الدنيا بأسرها .

ليت الأمر ظل طول العمر وابد الدهر إلا أن هذه الدنيا ملعونة قاسيه لا ينغمس الإنسان فيها ويحبها إلا أقحمته في بئر من الألم الذي لا يتحرر منه إلا من كان مستندا بإيمانه وعقله وقل ما نجده وليته ما وجد ,
حتى لا يجد الإنسان حلا لهذا الأمر إلا أن يعيش وهو يحب من احب ويموت وهو يحبه لا غيره .

كانت هي لا تصلح له بسبب من حولها ومن العجيب انه لم يفكر بها زوجة وهذا ليس بسبب سنها ولكن لبعد الأمر عنه ,
فكرا فيها (أختا) ثم (أما) ثم( ابنتا) ثم آخر الأمر( محبوبته) ومن الأعجب أن كل هذا لا يكمل ويتم إلا إذا صارت معه وحده ليس لأحد فيها ماله وهذا ما لا يستطيع فعله , يقول لسان حاله إليها (احبك جداً واعرف أن الطريق إليك مستحيل الوصول ).

يحب من حولها حبا شديدا لا يغار عليها منهم وذلك انه يحب كل ما تحبه هي وتهتم به ويبغض كل ما تبغضه وان كان لا يعلمه , وهو بهذا محكما في الأمر بعقله لا بقلبه .
فمن رآه مخطئاً كان عندها كذلك ومن رآه صحيحا كان هو أيضا عندها صحيحا ,
وكأن مقياس الحق والعدل كانوا (أماً و أباً ) هما لهما الابن والبنت الذي اروي أنا حكايتهما , فالأصل واحد وان اختلفت الألوان , والعقل واحد وان اختلفت الظروف , والقلب واحد وان تباعدت المشاعر.

أحست هي بالألم خافت من نفسها وعلي نفسها أصبحت لا تعلم ما تريد فعله إلا أنها راودها إحساس قاتل بأنها تظلم هذا الشاب وكأنها بحبها له قد أحبت نفسها اكثر منه , اتهمت نفسها بالخيانة ,
وضعت قلبها تحت قدمها ليصرخ قلبها ,


ويقول عقلها أنها أخطأت لأنها هي من فعلت هذا وهي تعلم مقدار ما فعلته لأجله إلا أنها من هذا النوع من البشر الذي يريد أن يربي نفسه لترتقي دائما وتعلوا .


وعلي الوجه الأخر هذا الذي قد مليء الحب خلجات نفسه وثكنات جسده وتخلل أضلعه ليصل إلى ما لا يصل إليه إلا الدم هذا الذي سال وملا الأرض ,

كان قد أحس بعد كلامها وعرف ما في عقلها وقلبها ، علم بأنه هو الجاني وكيف يكون له أن يحبها فتتألم (هي) , يريدها وحده وهي ليست له وحده كيف لم يراها وهي أمة ً لها أرضها , تاريخها , ولها الحضارة , يريد هو أن يسلب منها كل هذا فقط وذلك انه احبها .

ولكن ما أدراه انه أول من احبها , وما أدراه انه اقوي من اقتحم قلبها , من أ خبره انه هو اكثر من يستطيع إسعادها ,

ظل يخاطب نفسه وهو يضرب قلبه اشد الضرب علي حبه بمن لا يصح له حبها , ولكن كأنه بهذا كله يضع مبررات لحبه الذي ما استطاع العيش بدونه بل أراد أن يُعلم الأرض كلها أنها بريئة طاهرةٌ مما تحس به من خداع وهو من فعل هذا .

كانت مواساته لنفسه بين كل هذا انه يريدها سعيده هي ومن حولها لا يريدها وحدها لتتألم بل كل من حولها , أرادها حبيبتهً , ملكةً في زهو قصر عمره وهو لا يري مكاناً اعلي رفعة ومنزله من قلبه حتى يضعها فيه ولينتهي الدرب ويسكت الكلام وينتهي عصر الدم الذي هبط من السحاب لتظل هي نائمة يغطيها بصدره , يحنو عليها بأنامل قلبه , يخاطب روحها حتى لا تصحوا يطفئ أنوار عينيها ليموت هو في أحضانها .


..................... بلا نهاية ..................
أنا الكاتب ) :.


دائما ما اكتب واروي ودائما ما أضع النهايات إلا أن هذه الرواية لم تنتهي بعد ولا أستطيع خلق النهايات , وذلك أنها بدأت ولم تنتهي علي الحقيقة , وليتها لا تنتهي أبدا حتى انقضاء الأجل ,
وذلك لا أقوله إلا خوفا من الألم وانسحاب بساط السحر من تحت أقدام (أمل)
أما هذا الشاب الذي يحلم بكل ما هو جميل لا يستطيع الحياة بعد ما ارتفع هذه الرفعة ,ولكن الدنيا أثقلت عمره بعمرين فما اصبح الشاب أو أمسى إلا بدهر يمر عليه وهو دائما الحالم الطموح.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, والسلام,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,